صغيرة هي كانت في هذا المساء البارد ، مثلما كانت صغيرة دائمًا طوال سنوات عمرها التسع ، هاربة داخل معطفها الصوفي الحاني ، كان هو الشيء الوحيد الدافيء في تلك الليلة ، سياط البرد تلهب وجنتيها و طرف أنفها ، تدمع عيونها من شدة البرودة ، تلمع في ضوء البرق المتتالي ، وترتجف يداها و كيانها من صوت الرعد ، هاهو رزاز المطر الخفيف بدأ في التطاير منبئًا بقدوم سيل آخر من سيول الشتاء السماوية ، الليل و المطر ، الظلمة و البرد ، أسفلت الشارع القاسي ، أصوات الشباب العابث من حولها على النواصي و في المنحنيات المظلمة ، الخوف كل الخوف تملكها ، لازالت بعيدة عن منزلها بمئات الخطوات ، هل ستصل إلى بيتها بسلام ؟ تساءلت ألف مرة ، تساءت ألف ألف مرة ، بلا إجابة سوى الدمع الحبيس و الخوف و الرجفة المقيتة
هدى ، هدى ، سمعتها فارتجفت أكثر ، تعاظم إحساسها بالخوف ، تناثر في وجهها كل فزع البشر ، اهترأ بداخلها كل ما تبقى من جرأة أو شجاعة ، هو اسمها ، نعم هو اسمها ، تمنت لو كان لها اسم آخر ، تمنت لو لم يكن لها اسم أبدًا حتى لا تضطر أن تجيب ، ترى من هو هذا الصوت الأجش الذي يعرفها و يعرف اسمها و يناديها ، ترى ماذا يريد ؟ ماذا ينوي ؟ أتراه يريد بها خيرًا ؟ أم تراه وجدها فريسة سهلة في هذه الساعة من الليل و هذا الجو العاصف الماطر البغيض ؟ هو يعرفها ، بالتأكيد ، فها هو يعيد عليها اسمها ، كائن ضخم الجثة حذاؤه مبتل و ثنية بنطاله مبتلة أيضًا ، معطفه ثقيل و خشن ، يصل فوق أكتافه إلى عنان السماء ، ينير البرق من طرفة و كأنه يأتمر بأمره ، لم تستطع أن تميز وجهه في هذا الظلام ، لم ترَ من جسده سوى كف يده ، عروقه ترتسم تحت الجلد راسمة منحنيات و تقاطعات متشابكة ، بارزة هي و كأنها هضاب و تلال ، لا ، لا بل هي جبال ، تنسحب مع أصابع الكف إلى أن تصل إلى هذة الأظافر المليئة بالاصفرار المائل إلى السواد الحالك عند الأطراف ، بشعة هي بحق هذه اليد ، وهذه الأصابع و هذه الأظافر ، التي امتدت إليها لتقترب من وجنتيها أكثر فأكثر ، تملكها الفزع لدرجة بخلت بالكلام عن لسانها ، بخلت حتى بالصراخ ، لم تستطع أن تتنفس ، توقفت و توقف العالم حولها لبرهة ، دامت في عقلها قرون و قرون ، حاولت أن تستجمع شتات شجاعتها المفقودة ، حاولت أن تنتصر لجرأتها و لو للمرة الأخيرة ، ظنت أنها هالكة لا محالة ، بل تيقنت من ذلك ، فها هي بين يدي هذا الرجل القويتين ، ترتفع رويدًا رويدًا عن الأرض في رحلة هي تعلم جيدًا أن نهايتها أمام وجهه و عينيه ، لابد أنهما حمراواتان ، أو يخرج منهما نار و دخان ، لابد أن وجهه قبيح و مخيف ، بل سيكون مفزعًا ، تصورت ملايين الأشكال المفزعة لأبطال أفلام و حكايات و أساطير ، تخيلت ألوانا و ألوانا من العذابات ، حاولت جاهدة أن تغلق عينيها المفتوحتين عن آخرهما فلم تستطع ، بل قل إنها لم تقوِ ، ها هي الآن أمام وجهه ، وجهه ال ،، ال ،، ال !!!
متشبثة بالكف الضخم ، سائرة بجواره في سعادة سائلة إيّاه
بابا هي إيدك ليه فيها ألوان أسود كده
يجيبها في حب و بسمته تعلو شفتيه : " كل مصورين الفوتوغرافيا كده يا هدى ، علشان الأحماض ".
تبتسم هي مداعبة وجنتيها بأطراف أصابعه التي تتشبث هي بها و على شفتيها هذا التعبير الساخر
الساخر جدًا من الذات ،،
هدى ، هدى ، سمعتها فارتجفت أكثر ، تعاظم إحساسها بالخوف ، تناثر في وجهها كل فزع البشر ، اهترأ بداخلها كل ما تبقى من جرأة أو شجاعة ، هو اسمها ، نعم هو اسمها ، تمنت لو كان لها اسم آخر ، تمنت لو لم يكن لها اسم أبدًا حتى لا تضطر أن تجيب ، ترى من هو هذا الصوت الأجش الذي يعرفها و يعرف اسمها و يناديها ، ترى ماذا يريد ؟ ماذا ينوي ؟ أتراه يريد بها خيرًا ؟ أم تراه وجدها فريسة سهلة في هذه الساعة من الليل و هذا الجو العاصف الماطر البغيض ؟ هو يعرفها ، بالتأكيد ، فها هو يعيد عليها اسمها ، كائن ضخم الجثة حذاؤه مبتل و ثنية بنطاله مبتلة أيضًا ، معطفه ثقيل و خشن ، يصل فوق أكتافه إلى عنان السماء ، ينير البرق من طرفة و كأنه يأتمر بأمره ، لم تستطع أن تميز وجهه في هذا الظلام ، لم ترَ من جسده سوى كف يده ، عروقه ترتسم تحت الجلد راسمة منحنيات و تقاطعات متشابكة ، بارزة هي و كأنها هضاب و تلال ، لا ، لا بل هي جبال ، تنسحب مع أصابع الكف إلى أن تصل إلى هذة الأظافر المليئة بالاصفرار المائل إلى السواد الحالك عند الأطراف ، بشعة هي بحق هذه اليد ، وهذه الأصابع و هذه الأظافر ، التي امتدت إليها لتقترب من وجنتيها أكثر فأكثر ، تملكها الفزع لدرجة بخلت بالكلام عن لسانها ، بخلت حتى بالصراخ ، لم تستطع أن تتنفس ، توقفت و توقف العالم حولها لبرهة ، دامت في عقلها قرون و قرون ، حاولت أن تستجمع شتات شجاعتها المفقودة ، حاولت أن تنتصر لجرأتها و لو للمرة الأخيرة ، ظنت أنها هالكة لا محالة ، بل تيقنت من ذلك ، فها هي بين يدي هذا الرجل القويتين ، ترتفع رويدًا رويدًا عن الأرض في رحلة هي تعلم جيدًا أن نهايتها أمام وجهه و عينيه ، لابد أنهما حمراواتان ، أو يخرج منهما نار و دخان ، لابد أن وجهه قبيح و مخيف ، بل سيكون مفزعًا ، تصورت ملايين الأشكال المفزعة لأبطال أفلام و حكايات و أساطير ، تخيلت ألوانا و ألوانا من العذابات ، حاولت جاهدة أن تغلق عينيها المفتوحتين عن آخرهما فلم تستطع ، بل قل إنها لم تقوِ ، ها هي الآن أمام وجهه ، وجهه ال ،، ال ،، ال !!!
متشبثة بالكف الضخم ، سائرة بجواره في سعادة سائلة إيّاه
بابا هي إيدك ليه فيها ألوان أسود كده
يجيبها في حب و بسمته تعلو شفتيه : " كل مصورين الفوتوغرافيا كده يا هدى ، علشان الأحماض ".
تبتسم هي مداعبة وجنتيها بأطراف أصابعه التي تتشبث هي بها و على شفتيها هذا التعبير الساخر
الساخر جدًا من الذات ،،