يسأل الجميع هذة الأيام نفس السؤال السحري ، لماذا يصر المجلس العسكري على إجراء إنتخابات في ظل ظروف لا تسمح بإجراء إنتخابات مطلقا ؟ والحقيقة تتعدى هذا السؤال تماما ، فالإجابه على هذا السؤال لا تكون دون الإجابه على مجموعة أسأله أخرى ، منها مثلا ، لماذا يصر المجلس على وجود حكومة الجنزوري ؟ ولماذا يصر على وجود مجلس إستشاري ؟ والأمر على المستوى السياسي يذكرني بقصة حدثت في أوائل الثمانينات في منطقة الميناء بمدينة بورسعيد ، حيث كان أحد المفتشيين في الجمرك يعرف شخصية أحد المهربين ، وكان المهرب يمر من الدائرة الجمركية مرتين في الأسبوع ، ويقوم المفتش بتفتيشه تفتيش دقيق جدا هو و سيارته ، وفي النهاية لا يجد شيء مخالفا ، وبعد سنوات و خروج المفتش على المعاش سأل المهرب عن الأشياء التي كان يهربها في سيارته ، ففاجأه أنه كان يهرب السيارات نفسها .
هكذا تماما يتعامل المجلس العسكري مع الشعب ، إنه يدفع الناس للنقاش حول نتائج الأنتخابات ، على الرغم من أن تلك النتائج لا تهمه أبدا ، فالهم الحقيقي له هو إجراء الأنتخابات نفسها ووجود مجلسا للشعب ، ذاك المجلس الذي أيّا كان تكوينه سيسحب الشرعية من ميدان التحرير ، فبوجوده يصبح المجلس ممثلا عن الشعب وبالتالي يتحول ميدان التحرير من ممثل للشعب إلى ممثل مغمور ، بالطبع يفضل المجلس العسكري أن يكون مجلس الشعب مكوّن من الإسلاميين في أغلبه ، وذلك ليس تدينا من المجلس العسكري ، ولكن لأن الاسلاميين بطبيعتهم سواء كانوا إخوان مسلمين أو سلفيين هم أسهل في عقد صفقات سياسية ، وقبول الفتات نظير وجودهم تحت القبه ، بينما دعاة المجتمع المدني و الليبراليين أو اليساريين ، هم أصعب في قبول التنازلات أمام العسكر ، وعليه فالمجلس العسكري يخطط من هذا أن يكون المشهد السياسي بعد الإنتخابات كالتالي ، مجلس شعب يدّعي تمثيله الشعب المصري تتحكم فيه أغلبيه إسلامية لديها خضوع و إنبطاح سياسي ، وحكومة إنقاذ وطني لها صلاحيات شكلية ولكنها تفي بالغرض السياسي أمام الناس ، خاصة مع قيامها بمجموعة إصلاحات بسيطة مباشرة و لكنها غير جذرية ، ومجلس إستشاري يتحمل أمام الرأي العام أي قرار خاطيء يتخذه المجلس العسكري ، وبالتالي يكون قد تم تفريغ الثورة من محتواها تماما و تم سحب أي شرعية لميدان التحرير أو أي إعتصامات أخرى
الشوكة الباقية في حلق المجلس العسكري بعد كل هذا الترتيب هم الشهداء ، وهو الأمر الي يجعل المجلس العسكري يُصر على إختزال قضيتهم في مجموعة مساعدات ، أي أن تختزل في مبالغ نقدية تسلم لعائلاتهم و ينتهي الأمر ، وعليه فنحن الثوّار الغير منتميين لكل تلك المنظومة المرتّبه من المجلس العسكري لابد أن نتمسك بتلك القضية و نعمل على عدم إختزالها في تعويضات مادية فقط ، فالدم لا يباع ولا يشترى ، والقاتل لن نسمح له أن يمشي في جنازة القتيل عيني عينك