Pages

القاهرة الجديدة


أنظر من وراء نافذتي كل صباح ، إلى الشارع الخالي من المارة تقريبا ، وأستمع إلى صوت العصافير ، واليمام ، و رمضان ، سايس الجراج ، وهو يسكب المياة فوق السيارات وينشد ، إبتهالات النقشبندي و نصر الدين طوبار ، فأشعر بالراحة ، وبحسن الإختيار ، عندما قررنا منذ عام ، أنا وزوجتي الإنتقال إلى الحياة هنا ، في القاهرة الجديدة .

مزيج متجانش من البشر في هذا المكان ، ندُر أن يتواجد في اماكن كثيرة ، كما ندر أن يتآلف ، كما هو الحال هنا في القاهرة الجديدة ، أناس مثلي آخرون ، قرروا أن يتخذوا من هذا المكان ، بيتا و سكن ، وبالتأكيد أنهم يشعرون كما أشعر ، بالسعادة لهذا الإحتيار ، فالقاهرة الجديدة مكان تتداخل فيه كل فآت المجتمع ، من الطبقة الفقيرة إلى الطبقة فاحشة الثراء ، مرورا بالطبقة المتوسطة و ما فوق المتوسطة ، عمّال و موظفين و طلبه و طالبات و تجار و رجال أعمال و ربات بيوت و أطفال و رجال و نساء على المعاش ، الجميع هنا يعيش في منظومة جميلة متجانسة ، فالشوارع – كل الشوارع – هنا نظيفة و خالية تقريبا ، والحدائق في كل مكان ، تتداخل مناطق الفيلات و التي يقطنها الأثرياء ، مع مناطق الأحياء السكنية التي يقطنها محدودي الدخل ، ويتوسطهم عمارات الشركات والأهالي ، والتي تسكن فيها الطبقة المتوسطة ، وبجانب كل هذا توجد مساكن الشباب ، ليتكون مجتمع القاهرة الجديدة .

أحياء الفيلات ، نمازج متباينة من الفن المعماري الحقيقي ، و كأن الجميع إتفق على أن يبدع في بناء مسكنه ، طرازات مختلفة و تصميمات رائعة ، فيلات لا تتعدى الثلاث أدوار ، في نظام يثبت للجميع ، أن قانون العقارات الذي يُلزم البناء بعدد أدوار معين ، يمكن أن يكون فاعل و مؤثر ، فهنا لا يسمح في مناطق الفيلات بأكثر من ثلاث أدوار ، ولا تهاون مع المخالف ، إطلاقا ، الأمر الذي يجبر الجميع على إتباع القانون ، هنا أيضا الحدائق الخاصة بكل فيلا ، ورائحة المسك في اللليل تملأ الأنوف برائحة السعادة

عمارات جهاز المدينة ، صحيح أنها تخلوا من الجمال بعض الشيء ، لكنها جنة بالنسبة لقاطنيها ، أسر بسيطة فقيرة ، دخلها محدود ، إستطاعت أن تأخذ من حقها في هذا البلد ، نصيبا قليل ، شقة ، تضم العائلة ، وبين كل العمارات ، حدائق و أماكن لوقوف السيارات ، وفي كل منطقة ، يتوسط العمارات ملعب و مركز خدمات رياضية ، ومركز تجاري للمحلات التجارية ، وعدد من المساجد ، ومدارس لكل مراحل التعليم ، ومركز صحة صغير ، وأمل في غد للأولاد ، بعيد عن عشوائيات القاهرة .

عمارات الشركات و الأهالي ، هي السكن الرسمي للطبقة الوسطى في القاهرة الجديدة ، وتحمل على عاتقها الربط دائما بين عالم الثراء وعالم الدخل المحدود ، كما تحملت الطبقة المتوسطة على عاتقها هذا الربط على مر التاريخ ، يسكنها موظفين و مهندسين و أطباء و تجار و مهنيين ، قرر أغلبهم طوعا ، أن يترك زحام القاهرة و يلجأ إلى هنا ليعيش ، يمتلك أغلبهم سيارات ، ولذلك لا تجد بالقرب منهم أماكن للمواصلات العامة ، كما هو الحال مثلا بكثرة عند عمارات جهاز المدينة ، كما لا تجد في عمارات الأهالى و الشركات زحام للسيارات كما هو الحال في مناطق الفيلات ، حيث أن الأسرة غالبا لا تمتلك سوى سيارة واحدة ، أسر ضغيرة ، أب و أم و طفل أو إثنين غالبا ، جمعوا مدخراتهم ، ليشتروا شقة هنا بتحويشة العمر ، ويؤثثوها بما تبقى لهم من جهد سنوات العمل الأولى ، هاربين بأطفالهم من جحيم القاهرة الخانق ، مجتهدون و جادون في كل شيء ، يكافحون لتعليم أطفالهم تعليما جيدا ، وتثقيفهم تثقيفا مناسبا ، ليكونوا هم الجيل الأول لأبناء القاهرة الجديدة.

أحياء الشباب، وهي الأحياء التي بنتها الحكومة لمشروعات الشباب ، و مساكن مبارك ، يقطنها أسر في مقتبل الحياة ، أغلبهم حديثي الزواج ، تتوسطها حدائق و خدمات كما في عمارات جهاز المدينة ، ويزيد عليها أشكال العمارات الجميل و المتجدد بالفعل ، تشعرك بالشباب حقا ، بمجرد النظر إليها .

عندما تتجول في شوارع القاهرة الجديدة ، تشعر بحميمية المكان منذ اللحظة الأولى ، فالحياة بسيطة و هادئة ، لا مقاهي مزعجة ولا ورش إصلاح بين المنازل ، ولا شباب على النواصي ، كما أن وجود أرصفة في كل مكان يتيح لك السير الآمن ، فقط تذكر أنك على ربوة ، في إرتفاع هضبة المقطم أو تزيد ، فلا تنسى أن تستعد جيدا لهواء بارد صيفا ، شديد البرودة شتاء ، خاصة في الليل ، أمّا نهارا ، فالجو منعش دائما ، مائل إلى الحرارة بالطبع في الصيف .

شاهد الغروب من أي بقعة على أرض القاهرة الجديدة ، ستجده خلاّبا من أي زاوية ، كما يمكن أن تستمتع بالتسوق في أكثر من مركز تجاري داخلها ، وبالطيع إذا شعرت بالجوع ، ستجد فروع لكل المطاعم العالمية ، كما ستجد عدد من المطاعم التي تقدم الأكلات الشعبية في مناطق المراكز التجارية ، كما يمكنك أن تؤدي صلاة العشاء في الجامع الكبير ، بالقرب من محكمة الأسرة ، والذي يعد تحفة معمارية خالصة لوجه الله تعالى ، ليس فقط كبناء و لكن أيضا كخدمات ، فالمسجد بقوم على خدمته شركة أمن متخصصة و شركة نظافة متخصصة و يضم حدائق جميلة و أماكن وضوء و صلاة فسيحة للسيدات كما أنه مكيف الهواء بالكامل ويضم مقاعد خاصة بكبار السن .

إن تجربة الحياة هنا في القاهرة الجديدة ، هي تجربة فريدة ، مريحة للنفس ، فلا تقع عينك هنا على زحام أو مشاجرات أو شوارع مغلقة ، كما لا تحتاج إلى معجزة لتسمع صباحا ، صوت العصافير .

* الصورة لعمارات الشباب


5 comments:

Unknown said...

والله ياجلالة الملك دى عنيك و قلبك الجمال اللى مخليين الصورة خلّابة أوى كده
ربنا يديم عليك نعمة الجمال اللى بتشوف به كل الدنيا و يتمها بقمة الجمال فى الجنة إن شاء الله
شاعراً حتى فى نثرك ياجلالة الملك
دمت كما أنت جميلاَ

ميرا ( وومن ) said...

مممممممممم أنا متفقة مع حضرتك في موضوع مشهد الغروب دة فعلا خلاب وساحر

أنا بروح القاهرة الجديدة زيارات لواحدة صاحبتي متجوزة هناك انا مش عارفة هي انهي منطقة في دول بس هي عمارات كتير كلها حوالي اربع أدوار شبة بعض بس مفيهاش اي جمال ولا مساحات خضرا ميزاتها الوحيدة الهدوء ونضافة الشوارع واتساعها

أظن فعلا ان أ /أحمد عبد العدل في ان عيون حضرتك هي اللي بتشوف الجمال

Empress appy said...

يا اهلا اهلا يعنى انتم جايين وانا ماشيه مش هناك عموما انا من سكان الشباب بس خلاص هنقل دلوقتى واروح البنفسج يعنى نزولى الجاى هيكون على منطقه البنفسج هى فعلا هايله والجانين تجنن وفى الصبف هتلاقى ناس بتقعد فيها

محمد فؤاد (صاحب عمود النور) said...

احسنت يا صديقى
احسنت وصفا واحسنت موضوعا
فكرتنى بالكاتب الكبير نجيب محفوظ فى اللص والكلاب لما كان بيوصف ميدان العباسية وبيوصف الشوارع اللى مشى فيها سعيد مهران انا بتكلم عن الروايه مش الفيلم
اقدر اقول ان بعد 20 سنه البوست دا هيكون وصف دقيق لمرحلة تاريخية فى الحياة الاجتماعية فى مصر وخصوصا لو تحولت القاهرة الجديده الى بولاق الدكرور
زى وصف نجيب محفوظ لميدان العباسية
اعتقد ان كل شئ فى مصر يتحول من الابداع الى المسخ

ودائما اتذكر جملة عادل امام فى عمارة يعقوبيان
احنا فى زمن المسخ

KING TOOOT said...

أحمد عبد العدل
صديقي العزيز ، ربنا يديم الود ، ويارب أكون فعلا من أهل الجنة
معك إن شاء الله
خالص مودتي
__________________
ميرا ( وومن ) ا
الحقيقة أنا مش عارف صديقتك موجودة فين ، لكن الغالبية العظمى من شوارع القاهرة الجديدة مليانه جناين و مساحات خضراء ، حتى مساكن الحكومة ، شكلها غلس شوية ، لكن بين العمارات جناين في كل مكان و أماكن لأنتظار السيارات
أشكرك على تعليقك ، بس لما تبقى هناك إبقى زورينا أنا و بوبو و إحنا نفرجك على القاهرة الجديدة بعيوننا إحنا
نورتي المدونة و التعليقات
___________________
APPY
ياااااه ، إنتي ساكنه في القاهرة الجديدة ، مش تقولي من زمان
البنفسج حلوة جدا ، ومنطقة بتتطور بسرعة رهيبة
من سنتين ثلاثة ماكانتش مليانة عمارات و فلل كده
موضوع الجناين ده أكتر حاجة عجباني هنا
نورتي المدونة
___________________
محمد فؤاد
إنت فين يا أبني
مختفي ليه كده
وبعدين ، تجيب محفوظ مرة واحدة
ربنا يكرمك
أتمنى طبعا إن بعد عشرين سنة ماتبقاش أتغيرت بالصورة إللي بتقول عليها دي
لأني ساعتها حاأزعل جدا
تحياتي
____________________
KING TOOOT