Pages

طواحين الهوا

يتكرر هذا المشهد أمامي في كل مكان تقريباً في القاهرة ، وأحيانا كثيرة في الأقاليم أيضا ، مسجد و كنيسة ، داري عبادة عنصري الأمة ، متجاورين ، بل متلاصقين أحياناً ، يستقبلون المسلمين و المسيحيين في كل وقت ، ليلقي بداخلهما الناس بمتاعبهم و ذنوبهم التي أثقلت كاهلهم ، راجين رحمة الله تعالى ، إله الجميع وخالق الجميع .

عندما كنت في وسط نهر النيل ، في مدينة المنصورة ، وسط حشد من المدونين ، فوق سطح مركب يشق مياة النهر الخالد ، رأيت نفس المشهد متكرراً ، مسجد و كنيسة متجاورين ، وجدتني أسأل نفسي سؤالاً هاما جدا ً ، هل هذا المشهد هو تعبير عن الوحدة الوطنية ، وإلتقاء عنصري الأمة ووحدة الصف ، أم أنه تعبير عن صراع تحت السطح بين البشر الذين اتفقت مواطنهم واختلف إيمانهم العقائدي ؟ رجفت من وقع السؤال داخل نفسي ، ماذا لو لم تكن هذة الصورة ، بريئة كما تبدو ؟ ماذا لو كان تواجد الاثنين بجوار بعضهما ، هو تعبير عن التنمر و الترقب و المواجهة ؟وليس عن الإيخاء و التقارب و التفاهم .

عَبرت كل المشاهد برأسي مره واحدة ، مظاهرات في العباسية و جامعة الأزهر ، مصادمات في الأسكندرية و الصعيد ، شاشات تليفزيون عليها صور لشيوخ وقساوسة ، جدران محلات عليها أيقونات و آيات قرآنية ، أيادٍ تحمل المسابح و أخرى دق عليها علامة الصليب ، سائق سيارة نقل كتب عليها من الخلف ، أم هاشم ، و آخر كتب على سيارته أم النور ، أخبار في الصحف الصفراء عن شخص مسلم تنصر ، وآخر تطارده الكنيسة بعد أن أسلم .

الجميع يحاربون طواحين الهواء ، ويندمجون في معركة وهمية ، للوصول إلى لا شيء ، بعد أن فقدوا الحلم الذي يسعون متكاتفين لتحقيقه ، والهوية الوطنية التي تضمهم جميعا تحت مظلة واحدة ، بدأ كل فرد يبحث عن هويته بنفسه ، وماذا أشرف من أن تكون هذة الهوية دينية ؟ فالإنسان عندما يشعر أنه يقاتل في سبيل هوية دينية ، فهو يشعر من داخله أنه يحارب في صف الله ، و كأنها حرب مقدسة ، و كأنه أحد جنود الخالق العظيم

ولكن لا يا حضرات الأفاضل ، فهي حرب مدنسة ، الجميع فيها خاسرون ، المسلمون و المسيحيون ، و المنتصر فيها الوحيد ، هو من يريد لهذه الأمة أن تقاتل نفسها بنفسها ، لتسحق ذاتها و كرامتها بيدها ، إن معركتنا الحقيقية و المقدسة في رأيي ليست مع إخواننا من المؤمنين بالدين الآخر ، ولا يجب أن تكون بين من يحملون المصاحف ومن يحملون الأناجيل ، لأن لحظة الهزيمة لطرف ، لن تعني أبدا إنتصاراً للطرف الآخر ، فالطرفين في تلك الحرب مهزومين ، و المنتصر الوحيد ، هي قوى السيطرة الخارجية ، التي تريد أن تدوس رقابنا ونحن ساجدين ، سواء كان هذا في صلاة الجمعة أو قداس الأحد ، والتي إذا تحقق لها ماتريد على أرض مصر ، فلن نسمع بعدها أجراساً أو أذان .


4 comments:

فاتيما said...

عين العقل
و القلب يا وليد
بس مين يسمع ؟!!!
سواء من المتعصبين هنا و هناك
و لو ربنا عاوزنا كلنا دين واحد
و شكل واحد
و لغة واحدة
و وطن واحد
هل كان يعجز؟!!!!
لكن الاختلاف سنته فى خلقه
عشان نتعارف
مش نتشاحن
و نقرف فى بعض
للأسف بحس ان كل الحوادث اللى قولت عليها دى يا وليد
مجرد خلافات فردية بتحصل بين أى أتنين
و بعدين يتجاب سيرة الدين فيها كنوع من الاستقواء مش اكتر
الصورة حلوة قوى
تحياتى ليك يا عزيزى

حلم بيعافر said...

منشا الحكاية بتاعة المشاحنات دى هى البطالة
الفاضى يعمل قاضى زى مابيقولوا
ولذلك معظم الصراعات دى ناشئة اساسا بسبب مجموعة من الشباب الفاضيين اللى الفراغ ملى حياتهم

Unknown said...

تفكير عميق ينم عن شخص متامل ذو فكر راجح
عجبنى جدا البوست وكلامك
عارف فى الاصل ودون الدخول فى المناطق العتمة اللى بياخدنا لها البعض اصحاب النوايا السودا المصريين تعايشوا مع كل الاديان بشكل ودود ومحب لكن اصحاب الايادى اللى مش بيضاء ابدا لهم اهداف الله وحدة عالم بها


تحياتى

KING TOOOT said...

فاتيما
ماهو موضوع الحوادث الفردية دي يا فاتيما هو إللي قالقني جدا ، وكمان فيه قوى بتستغل الحوادث دي علشان تخليها مش فردية وفي الآخر كلنا حاندفع الثمن في يوم من الأيام و نقول ياريتنا كنا أخدنا بالنا ، بس تقولي إيه بقى
أشكرك و لكي ألف تحية
وتقدير
_______________________
حلم بيعافر
تعرف أنه فعلا ممكن تكون البطالة سبب رئيسي في الموضوع ده
إنت نبهتني لحاجة مهمة قوي ، إن كل المشاكل في بلدنا دي منفده على بعضها و كل مشكلة مرتبطة بمشكلة تانية
نورت مدونتي المتواضعة
_______________________
نهر الحب
أشكرك على مجاملتك الرقيقة
ماهما أصحاب الأيادي إللي مش بيضا دول و النوايا إللي مش طيبة هما إللي يجب إننا ناخد بالنا منهم دايما ً و نبقى صاحيين لهم على طول
تحياتي و إحترامي
_______________________
KING TOOOT